باكالوريا DZ » » مقالة فلسقية :هل القيمة الأخلاقية من حيث طبيعتها مطلقة أم نسبية؟

مقالة فلسقية :هل القيمة الأخلاقية من حيث طبيعتها مطلقة أم نسبية؟

Written By Admiral on السبت، 21 يناير 2017 | 2:40 م

هل القيمة الأخلاقية من حيث طبيعتها مطلقة أم نسبية؟

المقدمة:
 طرح المشكلة : لو نظرنا الى المجتمعات الإنسانية على اختلافها .  لوجدنا أن كل مجتمع وله نظام أخلاقي معين، يتأسس على مفهوم الأمر والنهي . وإذا كانت المجتمعات تحيى حياة أخلاقية على نحو منسجم، بحيث نجد لها من الأساليب والتقنيات التربوية ما قد يجعل كل أفرادها مندمجين في الحياة الاجتماعية والأخلاقية . فان المشكل الأخلاقي يظهر عندما نكتشف أن كل نظام أخلاقي من الأنظمة التي تتبناها هذه المجتمعات يدعي انه مطلق وكوني، لكنّه في الوقت نفسه يرسّخ لتعددية النظم الأخلاقية، والاختلاف في القيم . هذا هو الأمر الذي عجل بالخلاف بين فلاسفة الأخلاق حول طبيعة هذه الأخيرة . متسائلين عن ضبط مفهوم لطبيعة الأخلاق. هل القيمة الخلقية في طبيعتها مطلقة أم نسبية؟ هل هي ثابتة أم متغيرة؟ هل الأخلاق من أساس مطلق يتحدى الزمان والمكان؟ أم أن طابعها نسبي ومتغير يساير التحولات العالمية والاجتماعية؟ هذا ما سنجيب عنه في مقالنا هذا . 
 محاولة حل المشكلة
الموقف الأول : الموقف العقلي : "الأخلاق من طبيعة مطلقة " . :  يرى أنصار هذا الموقف بان الأخلاق مطلقة باعتبار أنها واحدة في قدسيتها نظرا لكونها متعالية وصادرة عن مطلق العقل . لان الأخلاق كغاية ترتبط بطبيعة الإنسان العاقلة هذا هو موقف أفلاطون من قبل . حيث بين أن العقل له خاصية التمييز بين الخير والشر . وبالتالي فالأخلاق مفاهيم واحدة وثابتة لا تتغير، يقول أفلاطون" إن العقل اعدل الأشياء توزيعا بين الناس" . وبهذا يعتبر أنصار النظرية المطلقة أن القيم الإنسانية واحدة . كما اعتبر أفلاطون أن الخير هو القيمة العليا أي قيمة القيم التي نبحث عنها، لأننا لا نرى الوجود أو الكمال أو السعادة إلا بها. لذا قال: "إن الخير فوق الوجود شرفا وقوة " . وهذا يعني أن الخير موجود لكن له وجود أسمى أي هو بمثابة الحقيقة المثالية، وليس كالوجود الواقعي العيني . أما فرقة المعتزلة فترى بأولوية العقل على الشرع، ودليلهم في ذلك أن العقل قادر على تقرير الأفعال من حسن أو قبيح، كوننا قد نجد في الأفعال من الصفات ما يجعلها حسنة أو قبيحة ومن ثمة فالذي يدرك الفعل قد يدرك صفاته، والذي يدرك الصفات يستطيع أن يقرر أي الأفعال حسن وأيها قبيح . حيث استدلوا على ذلك بآيات كثيرة . منها قوله تعالى : "فاعتبروا يا أولي الأبصار ". وفي سياق هذه الفلسفة العقلية نجد أيضا كانط هو الأخر يذهب الى أن القواعد الأخلاقية مصدرها العقل لا التجربة، إذ العقل هو الذي يمدّنا بمعنى الواجب، ويقوم هذا الواجب على مبدأ الإرادة الحرة وهي إحدى المسلمات التي لابد للأفعال الأخلاقية أن تنطلق منها فضلا على بعض القواعد الأساسية التي يسلّم بها كانط، الأولى : افعل الفعل كما لو كان فعلك قانون عام للطبيعة . أما الثانية افعل الفعل بان تعامل جميع الإنسانية في شخصك وفي شخص كل إنسان بوصفه غاية لا وسيلة . والثالثة : اعمل بحيث تكون إرادتك بمثابة التشريع العام باعتبارك كائنا عاقلا . كما ارجع "كانط " الإلزام الخلقي الى العقل وقسم فلسفته الى ثلاثة أقسام " فلسفة العقل النظري الذي يدرس المعرفة وطرق بنائها، وفلسفة العقل العملي الذي يشتمل على " الدين والأخلاق " ورفض المنفعة لأنها متغيرة والأخلاق عنده تأتي استجابة لسلطة العقل أي أداء العقل احتراما للقانون العقلي في ذاته، فيظهر الفعل الأخلاقي عن حرية ويصبح كليا، وهذا ما أكد عليه " كانط " حين ما اعتبر العمل يتميز بالمثالية ويكون دائما مطلوبا لذاته لذا قيل : " عامل الناس كغاية لا كوسيلة ". كما يضيف قائلا : "عندما ادفع ثمن التذكرة، فهذا لا يعني خوفي من القانون أو من اجل أن يُقال عني صادق، وإنما افعل ذلك من اجل الواجب فقط" .

النقد والمناقشة : لكن نلاحظ أن هذه الأخلاق يصعب تطبيقها على ارض الواقع،  كما أنها مرتبطة دوما بالإرادة الخيرة وهذا ما لا يتوفر عند بني البشر، وإذا كان العقل هو المقياس الوحيد للأخلاق . فكيف نفسر اختلاف الأفراد حول القيم الأخلاقية مادام العقل هو اعدل قسمة بينهم؟. ، كما أننا لو اعتبرنا القيمة الأخلاقية مطلقة، لكانت واحدة لدى الجميع . لكن هذا الأمر يكذبه الواقع ويرفضه المنطق . ضف الى ذلك أن القيمة الأخلاقية ترتبط بالإنسان، ولا يمكن فصلها عنه، لان القول بموضوعية الأخلاق يفقدها واقعها ويبعدها عن الصلة بالإنسان . لان الأخلاق التي نادى بها كانط أخلاق مثالية بعيدة عن الواقع . لذا قال بيار جانيه : "يدا كانط نقيتان لكنه لا يملك يدين" . وهذا ما يوحي لنا ببعد كانط عن واقعنا، لان أخلاقه تنظر الى ما يجب أن يكون لا الى ما هو كائن . 

نقيض القضية 
الموقف الثاني "الأخلاق من طبيعة نسبية ".  يرى أنصار هذا الموقف بان الأخلاق لا توجد بشكل مستقل عن الأفراد بقدر ما هي تابعة لهم، فالإنسان هو الذي يوجد القيمة الأخلاقية بحسب حاجته ورغبته، وإلا لم يكن لها وجود . فوجود الأخلاق وجود في ذات الإنسان، ولا يعني وجود خارج عن ذاته. لذا أكد الاجتماعيون على أن الأخلاق تتميز بشروط يجب دراستها دراسة وضعية تقوم على ربط الظاهرة بعواملها . فالواجب الاجتماعي إلزام وضعه المجتمع، وعلى الفرد أن يمتثل لهذا الواجب باعتباره عضوا في جماعة . لذا من واجب الفرد أن يتحلى بالغيرية ويبتعد قدر الإمكان عن الأنانية. إذ ينطلق أنصار المدرسة الاجتماعية من مسلمة مفادها أن المجتمع هو مصدر القيم الخلقية، وهذا باعتبار الإنسان مدني بطبعه، فالقيم قيم اجتماعية ولا معنى للقيم الفردية، إلا اذا اقرّها المجتمع واعترف بها، والأفراد رغم إبداعهم للقيم لا يمكنهم فرضها، وإنما هم خاضعون لما يسنّه المجتمع وكل محاولة للخروج عنه يقابلها الرفض وعدم القبول الى حد الاستنكار . إذ يرى دوركايم أن القيم الفردية ما هي إلا قيم المجتمع يقول في هذا : " اذا تكلم الضمير فينا فان المجتمع هو الذي تكلم ". هذا لان الضمير الفردي ما هو إلا صدى لأحكام الوعي الجمعي، باعتبار أن لكل مجتمع أخلاقه الخاصة به، والتي يكتسبها الأفراد من المجتمع بواسطة التربية . كما اقرّ ليفي برول أن الأخلاق النظرية الميتافيزيقية . لا وجود لها باعتبار أنها تدرس ما يجب أن يكون ولا تنظر لما هو كائن . وهذا ما يجب أن يُرفض لسببين بحسب برول : الأول – أن الطبيعة البشرية تختلف باختلاف الزمان والمكان، والثاني : أن الأخلاق تتأثر بعوامل مختلفة . أما أنصار المذهب النفعي فينطلقون من مبدأ اللذات باعتبار أن الكائنات تطلب اللذات بما في ذلك الإنسان، وما على الإنسان إلا أن يحسب اللذات لنفسه ولغيره، بالموازنة بين اللذات والآلام، فإذا رجحت لذته فهو خير له، وان رجحت آلامه فذك شر له . أما اذا تساوت اللذات والآلام فله الخيار بين العمل أو الترك، ومن دعاة هذا الاتجاه نجد الفيلسوف ابيقور واروستيب ألقرنائي الذي رأى بان اللذة هي الخير الأعظم، أما الفيلسوف الانجليزي جيرمي بنتام . فيرى بان الإنسان يميل الى اللذة وينفر من الألم ويبحث عن المنفعة ويتحاشى الضرر . لهذا فالأفعال التي تؤدى الى تحقيق منفعة فهي أفعال خيرية، أما التي تؤدي الى الضرر فهي أفعال شريرة . لذا أكد بنتام على أن : اللذة والألم يتحكمان ويسيطران على أقوالنا وأفعالنا وأحكامنا، إذ يقول : "إن الطبيعة وضعت بني الإنسان تحت حاكمين ذوي سيادة هما : اللذة والألم" . ومن هذا نجد أنصار المدرستين الاجتماعية والنفعية يؤكدون على نسبية وتغير القيمة الخلقية حسب الزمان والمكان . أما ج س مل فقد قال : ". . . ومن ثم تكون السعادة هي إحدى غايات السلوك البشري ومعيار الأخلاق جميعا ". أما ارستيبس . فقد اعتبر أن اللذة هي صوت الطبيعة، وما على الكائن البشري إلا أن ينصاع لها. وبهذا يصدق تعريف هارتمان : أن الخير عبارة عن مجموعة لذات . هذا ويضاف الى أن كل من سارتر وجون ديوي يسايران اللذة وينفران من الألم . 
النقد والمناقشة : من الملاحظ انه لو كانت القيم الخلقية نسبية .  كيف نفسر اتفاق الناس على نفس المفاهيم الأخلاقية؟ لكن الواقع يقر بعالمية القيم الأخلاقية، كالصدق والأمان . فمثلا لو سلمنا بالقول بالمنفعة . لأفقدنا القيم الأخلاقية مشروعيتها وشرعيتها، باعتبار انه لا يمكن اعتبار المنفعة مؤسسة للأخلاق . لان المنفعة أساسها المبدأ الذاتي ودافعها الأنانية كونها تصب في مصلحة الفرد الواحد، فما هو نافع لي قد يكون ضار للآخر . أما ما يمكن أن يُقال لأنصار الموقف الاجتماعي هو أنهم ركزوا على انه لكل مجتمع عاداته وتقاليده، وهذا ما قد يدعو الى النسبية . لكن هذا لا ينفي وجود معاني إنسانية مشتركة تؤسس للقيم الأخلاقية، لأنه يصعب علينا أن نتجاهل الواقع، كما يصعب علينا أن نعتمد عليه باعتبار انه متغير . 


التركيب: وعموما يمكننا أن نقول انه لكل نظام ثقافي منظومة أخلاقية أساسها البعد الديني،  وبهذا نتجاوز حقيقة الجدل الدائر بين العقلانيين القائلين بموضوعية الأخلاق، وبين النسبيين القائلين بالتغير في الأخلاق . لان البعد الديني يعد الأرضية التي يمارس عليها الفعل الاخلاقي استنادا الى قوله تعالى : "وما فرطنا في الكتاب من شيء ". والرأي الصحيح هو الذي يرى انه يمكن الجمع بين المتناقضين، لكن مع الحذر من الوقوع في ما يُعرف بالنفاق، وبهذا نقول الأخلاق مطلقة ونسبية، مطلقة في الكليات التي تتوحد فيها الفكرة والعقل والدين، ونسبية في الجزئيات والتطبيقات التي تتناسب والزمان و المكان والظروف، بحيث تتيح الفرصة لان نستعمل العقل والاجتهاد والإبداع، وهو ما يوجد في فقه الإمام الشاطبي، وعليه يمكن القول أن المطلق محدود ومحدّد ومعلوم، والنسبي شائع 
 حل المشكلة : 
الخاتمة :  وفي الأخير يمكننا أن نعرّج في مقالنا هذا الى القول بوجوب التمييز بين الجانب النظري الذي يؤسس الأخلاق على المبادئ، وبين الجانب العملي الذي ربطها بالواقع. وبهذا نكون قد اعتبرنا الجمع بين النسبي والمطلق أمر ضروري من اجل التوفيق النظري والتطبيقي العملي، فلا تعارض بين النص والعقل، ولا تعارض بين الضمير الفردي والجماعي، ولا بين الطبيعي والنفعي، بل كلها تتكامل وتتداخل وبهذا تكون الأخلاق مطلقة بجانبها النظري ونسبية في صورها العملية .



مقالة الشعور و الا شعور للانتقال اليها اضغط الزر اسفله 

                                       اضغط هنا


    








أنشرها للجميع الأصدقاء والاقارب لتعم الفائدة :
 
الشركاء : الاخ انيس تعريب وتطوير Tamail
copyright © 2016. تحضيرات عامة للبكالوريا - جميع الحقوق محفوظة
تصميم بواسطة ويبسايت ماس تومب نشر بواسطة تعريب وتطوير Tamail
تواصل مع مدير الموقع على الفيسبوك